بقلم
الدكتور/ فتحي العفيفي
كلية الدراسات الآسيوية – جامعة الزقازيق
تأتي زيارة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية إلى المملكة العربية السعودية في 21 أغسطس ٢٠٢٥م، بدعوة كريمة من القيادة السياسية في المملكة العربية السعودية، الملك سلمان، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان في ظروف إستثنائية تمر بها العلاقات الثنائية، والمنطقة بوجه عام، وتأتي أيضًا هذه الزيارة في أعقاب زيارة قام بها رئيس الوزارء القطري إلى القاهرة بالأمس القريب، ومن قبل ذلك كله تشاور دائم مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد يكون من المناسب أن نضع رؤية سياسية، وتقدير موقف في النقاط التالية، لتحليل أهمية هذه الزيارة على النحو التالي:
- أولًا: تأتي الزيارة لتنهي عمليًا حالة الجدل، والتكهنات التي كانت تقول بوجود إختلافات في وجهات النظر بين القاهرة والرياض حول العديد من الملفات، ولتؤكد على عمق الروابط التاريخية بين البلدين، والتشاور الدائم، والمستمر بين القيادة السياسية حول التحديات والمخاطر التي تمر بها المنطقة .
- ثانيًا: تضع الزيارة حدًا للحروب السيبرانية التي تتغذى على هكذا أوهام، وقد انخرط في هذه السرديات التي تؤجج الإحتقان البعض ممن يعدون أنفسهم نخب، ويقدمون ما لم يُطلب منهم بالأساس، من وشايات قاتلة تنال من هيبة وكاريزما العلاقات التاريخية الأخوية بين البلدين، فإذا بهم ينقلبون على أعقابهم عائدين إلى سيرتهم الأولى دون أن يلوون على شئ.
- ثالثًا: من الطبيعي جدًا أن تكون هناك وجهات نظر مستقلة في العلاقات الثنائية بين الدول، وإعادة تقييم للمواقف، والحسابات الإستراتيجية، لكن من دون أن يعني ذلك أنه ثمة قطيعة، أو مشكلات بين الدولتين، أو أن تستمر الخلافات إلى ما لانهاية، لابد للقادة من الجلوس والتفاهم، ووضع حد للتكهنات، والأبواق الإعلامية المعادية من أن تستمر هكذا في تضليل الرأي العام في الدولتين، وتشيد حول هذه الحالة المتوهمة العديد من المقالات، والبرامج، والبودكاست، الذي لا يعترف بسقف في تناوله للعلاقات العربية– العربية.
- رابعًا: معروفة هي المواقف السياسية للبلدين منذ عشر سنوات تجاه القضايا الإقليمية، فالدولة المصرية لا تزال ترى أن التغيير في سوريا كما كان في العراق، وليبيا، واليمن، لا يؤسس لديمقراطية حقيقية، أو إلى التعايش بين الجهويات، أو الفئويات، أو المذهبيات، أو العشائريات، كما لا ينتهي إلى الإستقرار المزعوم، بل ثمة استهداف حقيقي للجيوش العربية، لأجل خلق حالة من عدم التوازن الإستراتيجي بين العرب وإسرائيل، لمصلحة التفوق للأخيرة على كل الدول العربية، بدليل أن إسرائيل لم تفعل ما تفعله الآن، إلا بعد تفكيك جيوش كلًا من العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، وتقسيم الدول، وزرع بؤر للفتن، والتوترات، فضلًا عن أن الإرهاب يجد في مثل هذه الحالات بيئة خصبة للشيوع والانتشار.
- خامسًا: المملكة العربية السعودية ترى أن التغيير في سوريا على نحو خاص ينهي عمليًا ذراع من الأذرع الشيعية الموالية لإيران، التي تدعم الحوثيين في اليمن، والبحر الأحمر، حيث صمد التمرد الحوثي في اليمن ضد الشرعية في عمليتي عاصفة الحزم، وإعادة الأمل، وفي كل الأحوال تمثل الحالة اليمنية بتعقيداتها تهديدًا للاستقرار على الحدود السعودية.
- سادسًا: لا تختلف مواقف القيادة في البلدين من الأوضاع في قطاع غزه، ورفض حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين، والإصرار على تهجيرهم، والدولتين يرفضان كل هذه المساعي المدعومة أمريكيًا، التي تؤدي حكمًا إلى تصفية القضية الفلسطينية.
- سابعًا: في عملية توزيع الأدوار عربيًا لإنقاذ قطاع غزه، كانت القاهرة والدوحة يقودان مفاوضات مباشرة مع قيادات حماس والمسؤولين الإسرائيليين، بينما الرياض تقيم مؤتمرًا بالتعاون مع فرنسا في نيويورك لمساعي حل الدولتين، وبالتالي فالنوايا صادقة لإنقاذ قطاع غزه من الإحتلال الكامل، هذا فضلًا عما قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة من نوايا صادقة للفكرة الإبراهيمية، بهدف خلق جسور للتعاون بين الأديان الثلاث: (اليهيودية، والمسيحية، والإسلام)، في بيت العائلة الإبراهيمية، ووثيقة الأخوة الإنسانية، كمدخل أخلاقي عالمي للتعايش والحوار، ونبذ الخلافات والصراعات.
- ثامنًا: في مسائل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، وإيران يوجد تنسيق بلاشك في إطار الحفاظ على التضامن العربي، لكن ثمة مرونة في أن تدير كل دولة علاقاتها الخارجية بما يتوافق مع مصالحها، من دون أن يكون ذلك يستهدف بالضرورة الإضرار بمصالح الدول الصديقة، والشقيقة، وبالتالي تنتهج القاهرة نهجًا تصالحيًا مع تركيا، كما هو مع إيران، مع الدعم الكامل للسياسة الخارجية السعودية، التى تراها الرياض تحقق مصالح المملكة.
- تاسعًا: من الطبيعي أن يكون هناك ملفات، سيتم التباحث حولها بين القيادة السياسية في البلدين، منها على سبيل المثال:
- أمني واستراتيجي: مثل الترتيبات الثنائية المتعلقة بالحدود المشتركة، بما لا يؤثر على حقوق كل طرف، أو يضر بمصالحه، وتبديد المخاوف، بشأن النوايا الإسرائيلية– الأمريكية في هذا السياق.
- اقتصادي: لبحث سبل تعزيز وتنمية العلاقات، والاستثمارات المشتركة بين البلدين، وإحياء مشروعات قديمة تم الحديث عنها، مثل جسر الملك سلمان، بوصفه ممر للتنمية المشتركة، وتعزيزًا للروابط الأخوية.
- إقليمي: يتعلق برفع حالة التنسيق في التوجهات الخارجية، وشرح وجهات النظر من كل طرف للأخر .
على أية حال تأتي هذه الزيارة المهمة للرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية إلى المملكة العربية السعودية في توقيت مهم، والأوضاع الإقليمية غير مستقرة، على أن يكون هناك لقاءات عربية أخرى لتجميع رأي عام عربي رسمي، يكون قادر على تغيير المعادلة، والوقوف في وجه الصلف الإسرائيلي الذي بدا أنه بلا نهاية، فالتوقيت مهم والزيارة غاية في الأهمية لدراسة موقف عربي جديد، ومؤثر في أحداث المنطقة …!!!
جريدة المنطقة العربية رؤية فريدة وتفاصيل حصرية
