الهند وباكستان على حافة تصعيد نووي محتمل في جنوب آسيا ففي مشهد يعيد إلى الأذهان مراحل الصراع المتكررة في بالمنطقة، شهد خط وقف إطلاق النار في كشمير مؤخرًا تصعيدًا عسكريًا عنيفًا بين الهند وباكستان، هو الأخطر منذ أكثر من عقدين. القصف المتبادل الذي اندلع بين الطرفين لم يكن مجرد اشتباك حدودي روتيني، بل مثّل خطوة تصعيدية واضحة قد تفتح الباب على مواجهة أوسع بين الجارتين النوويتين. وقد بدأت شرارة الأزمة عندما أعلنت الهند تنفيذ ضربات جوية استهدفت تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية، مدعية أن هذه المواقع تابعة لجماعات مسلحة مسؤولة عن تنفيذ هجوم دموي في كشمير الشهر الماضي.
الهجوم الهندي والرد الباكستاني
الهجوم الذي نفذته القوات الجوية الهندية خلال ساعات الليل، وصفته نيودلهي بأنه “عملية دقيقة” ضد أهداف تعتبرها بنية تحتية للإرهاب، وهو ما أثار ردًا سريعًا وغاضبًا من إسلام آباد. وقد أعلن الجيش الباكستاني أن الغارات الهندية استهدفت مناطق مدنية، وأدت إلى مقتل 26 شخصًا وإصابة 46 آخرين، مؤكدًا أن الرد سيكون بنفس القوة. ولم تمضِ ساعات قليلة حتى أعلنت باكستان عن إسقاط خمس طائرات هندية، بينما تواصل القصف المدفعي المتبادل على طول الحدود، مما أسفر عن سقوط ضحايا جدد.

في المقابل، أشار الجيش الهندي إلى أن القصف الباكستاني استهدف الشطر الذي تسيطر عليه نيودلهي من كشمير، وأسفر عن مقتل عشرة مدنيين وإصابة 48 آخرين. ومع ازدياد حدة التصعيد، أُغلقت عدة مطارات في شمال الهند، بينما أعلنت السلطات الباكستانية تعليق الرحلات في بعض المناطق القريبة من الحدود. الأحداث الأخيرة أعادت مشهد الصدام إلى الأذهان، في منطقة تعتبر من أخطر بؤر النزاع على مستوى العالم.
كشمير: جذور أزمة ممتدة لعقود
لم تكن هذه الأزمة وليدة لحظة، بل هي استمرار لصراع طويل بين الهند وباكستان بدأ منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947. تقاسمت الدولتان كشمير، لكن بقي النزاع قائمًا حول تبعية الإقليم بأكمله، مما أدى إلى ثلاث حروب بين البلدين، ظلت كشمير عنوانها الأبرز. وعلى الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 2003، فإن الخروقات ظلت تتكرر، وسط اتهامات متبادلة بدعم الجماعات المسلحة وتغذية التوتر على جانبي خط التماس.
الهند تتهم باكستان بدعم جماعات مسلحة تنفذ عمليات في الجزء الذي تديره من كشمير، في حين تنفي إسلام آباد ذلك وتؤكد أنها لا تقدم سوى الدعم المعنوي والسياسي لما تعتبره “حقًا في تقرير المصير”. أما على الأرض، فإن المدنيين في كشمير هم من يدفعون الثمن في كل جولة تصعيد، حيث تتكرر مشاهد الدمار والنزوح والموت.

مخاوف من انزلاق نووي
ما يزيد من خطورة الموقف الحالي أن كلا البلدين يمتلكان ترسانة نووية معتبرة. وفي ظل غياب آليات فعالة لفض النزاعات، وتحول الأزمة إلى صراع مفتوح على الأرض، فإن احتمالات التصعيد إلى مواجهة شاملة تظل واردة. الأمم المتحدة أعربت عن قلقها البالغ إزاء الأحداث الأخيرة، ودعت على لسان المتحدث باسم الأمين العام إلى “أقصى درجات ضبط النفس”، محذّرة من أن العالم لا يمكنه تحمّل اندلاع حرب بين قوتين نوويتين.
الولايات المتحدة دخلت على خط الوساطة، حيث أجرى وزير خارجيتها اتصالات بنظرائه في الهند وباكستان، في محاولة لاحتواء الأزمة قبل أن تتوسع. كما أعربت الصين عن قلقها من تداعيات الصراع على أمن المنطقة، ودعت إلى التهدئة وضبط النفس. الموقف الدولي حتى اللحظة يكتفي بالتنديد والدعوات، لكن لا مؤشرات واضحة بعد على تحرك سياسي قادر على احتواء الأزمة فعليًا.
ضحايا بالعشرات ومشاهد نزوح واسعة
على الأرض، خلف القصف المتبادل عشرات القتلى والجرحى، غالبيتهم من المدنيين، بالإضافة إلى دمار واسع طال منازل ومزارع ومرافق حيوية. في المناطق الحدودية، نزحت مئات العائلات من القرى القريبة من خط التماس، وسط غياب لمراكز إيواء كافية، وتزايد المخاوف من امتداد القتال إلى مناطق أوسع. الأطفال والنساء وكبار السن كانوا الأكثر تضررًا، في مشهد إنساني مؤلم تتعالى معه الأصوات المطالبة بوقف إطلاق النار فورًا.
المستشفيات في البلدين أعلنت حالة الطوارئ، وتم استدعاء الطواقم الطبية الإضافية لمواجهة تدفق المصابين. ومع استمرار القصف، اضطرت السلطات إلى إغلاق عشرات المدارس في المناطق القريبة من الحدود، مما زاد من معاناة السكان الذين يعيشون أصلاً تحت تهديد دائم.

وسائل الإعلام والجدل الداخلي
داخل كل من الهند وباكستان، اشتعل الجدل السياسي والإعلامي حول مسؤولية التصعيد. في الهند، وصفت وسائل إعلام حكومية الضربات بأنها “ضرورية وحاسمة”، وأشاد سياسيون في الحزب الحاكم بما وصفوه بـ”رد على الإرهاب”. بينما في باكستان، اعتبرت الصحف الكبرى أن ما جرى “عدوان غير مبرر على أراضيها”، وطالبت الحكومة برد صارم لحماية سيادتها.
في الوقت نفسه، ظهرت أصوات داخل المجتمع المدني في كلا البلدين تطالب بوقف التصعيد، وتحذر من مغبة الانزلاق إلى حرب لا يعرف أحد كيف ستنتهي. ولكن في ظل تصاعد الخطاب القومي واحتدام المعارك الإعلامية، يظل صوت العقل خافتًا، ومهددًا بالتلاشي وسط ضجيج المدافع.
مستقبل غامض وصراع بلا نهاية
لا يبدو أن نهاية قريبة تلوح في الأفق لهذا التصعيد، خاصة مع غياب مبادرات حقيقية للحوار المباشر بين الهند وباكستان. كلا الطرفين يبدو متمسكًا بموقفه، وسط ضغوط داخلية تحرّض على المواجهة بدلًا من التهدئة. وإن كان التاريخ يُظهر أن التوترات بين البلدين تنتهي غالبًا بتدخل خارجي، فإن السؤال المطروح هو: هل يكون هذا التصعيد مختلفًا؟ وهل العالم مستعد للتعامل مع سيناريو انزلاق نووي في جنوب آسيا؟
المراقبون يحذرون من أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى حرب مفتوحة ستكون نتائجها كارثية ليس فقط على البلدين، بل على المنطقة بأسرها. إذ إن أي استخدام للسلاح النووي، حتى لو على نطاق محدود، سيغيّر معادلة الأمن الإقليمي والدولي بشكل لا يمكن التنبؤ بعواقبه.

دعوات للسلام ومخاوف من الصمت الدولي
بينما ترتفع الدعوات إلى الحوار في الأوساط الدبلوماسية، يعبّر كثيرون في باكستان والهند عن خيبة أملهم من صمت بعض القوى الكبرى، وعدم اتخاذ مواقف حاسمة تضع حدًا للتصعيد. فالاقتصاد والسياسة الدولية يلعبان دورًا في تردد بعض الدول عن التدخل الفوري، رغم وضوح التهديد الذي يشكله الصراع الحالي.
على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشر وسم “أوقفوا الحرب” باللغتين الهندية والأردية، حيث عبّر آلاف المستخدمين عن رفضهم لتحول كشمير إلى ساحة معركة من جديد، ورفضهم لدفع المدنيين ثمنًا لمعارك سياسية وعسكرية لا طائل منها.
جريدة المنطقة العربية رؤية فريدة وتفاصيل حصرية
				
			
			
		
						
					
						
					
						
					