مع اقتراب موعد انطلاق امتحانات الثانوية العامة 2025، تعود المخاوف القديمة لتفرض نفسها من جديد، لكن هذه المرة في ثوب مختلف. فبينما كان اسم “شاومينج” يحتل صدارة الحديث في السنوات الماضية باعتباره رمزًا لصفحات تسريب الامتحانات، بدأت الأنظار الآن تتجه نحو أدوات الذكاء الاصطناعي، التي بدأت تُستخدم بطرق مبتكرة للغش داخل اللجان أو لتوليد توقعات الأسئلة بشكل دقيق. وفي الوقت الذي تحاول فيه وزارة التربية والتعليم ضبط إيقاع الامتحانات وضمان نزاهتها، ينشغل أولياء الأمور والطلاب بما يُنشر على منصات التواصل من إشاعات وتسريبات، بعضها يستخدم تقنيات حديثة يصعب تتبعها. وبين التوتر والضغوط النفسية، تظهر تساؤلات مشروعة: هل نحن على أعتاب جيل جديد من الغش الإلكتروني؟ وهل تمتلك الوزارة الأدوات اللازمة للتعامل مع هذا التحدي؟
استعدادات وزارة التعليم لإجراء امتحانات بلا مشكلات
في تصريحات متكررة لوزارة التربية والتعليم، أكدت أن الاستعدادات جارية على قدم وساق لضمان إجراء امتحانات الثانوية العامة هذا العام بأقصى درجات الانضباط. وتمت مراجعة كل اللجان وتأمينها بالتنسيق مع وزارة الداخلية، إلى جانب تركيب كاميرات مراقبة في عدد كبير من المدارس، خاصة تلك التي كانت محل شكاوى في الأعوام السابقة.
وتشير بيانات الوزارة إلى أن الامتحانات ستبدأ في يونيو المقبل، مع تطبيق نظام البابل شيت إلى جانب الأسئلة المقالية، لضمان تنوع أنماط التقييم. كما طُبقت تدريبات مكثفة للمراقبين والمصححين للحد من الأخطاء البشرية، مع استمرار التشديد على أن التصحيح سيتم إلكترونيًا في أغلب المواد، للحفاظ على الموضوعية.
منصات التواصل تنفجر بالشائعات والادعاءات
رغم كل تلك الاستعدادات، إلا أن منصات مثل فيسبوك وتيليجرام وتويتر باتت تعجّ بالصفحات التي تدّعي امتلاكها لتسريبات الامتحانات قبل بدايتها. ويزعم بعضها أنه حصل على نماذج الأسئلة من “مصادر داخل الكنترول”، بينما يعرض البعض الآخر بيع ما يسميه بـ”الامتحان المسرب” مقابل مبالغ مالية.
وقد أصدرت وزارة التعليم بيانًا رسميًا نفت فيه أي تسريبات، مؤكدة أن كل ما يُنشر على هذه الصفحات “كاذب ويستهدف إثارة البلبلة واستنزاف أموال أولياء الأمور”. كما ناشدت الوزارة أولياء الأمور بعدم الانسياق وراء هذه الإعلانات، مؤكدة أنها تتعاون مع الجهات الأمنية لغلق هذه الصفحات وتتبع القائمين عليها.
طلاب تحت الضغط وأسئلة من الماضي
في جولة سريعة بين عدد من طلاب الصف الثالث الثانوي، تبيّن أن التوتر هو سيد الموقف. تقول آية، طالبة في مدرسة حكومية بالقاهرة، إنها تذاكر يوميًا لأكثر من 12 ساعة، لكنها لا تزال تشعر بالخوف، خاصة من المواد العلمية التي تعتمد على الفهم. وتشير إلى أنها لا تثق كثيرًا في النظام الجديد، وتفضّل الأسئلة المباشرة التقليدية.
أما عبد الرحمن، طالب من محافظة الشرقية، فيؤكد أنه اشترى أكثر من “مذكرة توقعات” من السوق، ويأمل أن تأتي الامتحانات منها. يقول: “الدروس الخصوصية أصبحت ضرورة، مش رفاهية، ومفيش ضمان إن الامتحان هيكون في مستوى الطالب المتوسط”.
أولياء الأمور بين الحيرة والضغط المالي
لا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة للأهالي، الذين يشعرون أنهم يخوضون الامتحانات مع أبنائهم. فبين السهر، وتوفير الدروس، وتحمل الكلفة النفسية والمادية، يعيش أولياء الأمور شهورًا من الترقب. تقول هالة، والدة طالبة في مدرسة خاصة: “إحنا بندفع دم قلبنا على الدروس، وكل شوية نسمع إن فيه تسريب… مين هيحاسب؟”.
ويؤكد عدد من الأهالي أنهم مجبرون على تلبية طلبات أبنائهم المتعلقة بشراء مذكرات أو حتى الاشتراك في جروبات مدفوعة الأجر بزعم التسريبات، رغم يقينهم بأن هذه الأمور لا فائدة منها. “إحنا بنسايرهم بس عشان ما يحسوش إننا سايبينهم في المجهول”، هكذا عبّر أحد أولياء الأمور في حديثه لـ”المنطقة العربية”.
تجار القلق: صفحات وهمية تبتز الطلاب وأهاليهم
يبدو أن هناك من قرر استغلال هذه الحالة العامة من التوتر والارتباك لتحقيق مكاسب مالية. فصفحات “تسريب الامتحانات” على تيليجرام مثلاً، تطلب مبالغ تبدأ من 100 جنيه مقابل الانضمام لجروب مغلق “يوعد” بتوفير أسئلة الامتحان قبل اللجنة بساعات. وتظهر صور ونماذج مصممة بعناية لخداع الطلاب، مع وعود متكررة بـ”المصداقية”.
وقد حذّرت وزارة الداخلية من التعامل مع مثل هذه الصفحات، وأعلنت عن ضبط بعض الأشخاص المسؤولين عنها، مؤكدة أن ما يفعلونه يقع تحت طائلة النصب الإلكتروني وانتهاك سرية الامتحانات.
دور الدعم النفسي في اجتياز المحنة
في ظل كل هذه الضغوط، أصبح واضحًا أن الطلاب يحتاجون إلى دعم نفسي متواصل، سواء من الأسرة أو من الجهات التعليمية. تقول الدكتورة نجلاء حسن، استشارية الطب النفسي، إن ما يمر به طلاب الثانوية العامة يمثل عبئًا نفسيًا حقيقيًا، لا يقل عن الصدمات المؤقتة.
وتضيف: “الطالب مش آلة، وإذا استسلم للقلق، مش هيقدر يستوعب أي معلومة. الحل في إن الأهل يخلقوا جو دعم وهدوء في البيت، ويقللوا المقارنات مع الآخرين، ويشجعوا أبناءهم على فترات راحة منتظمة، ونوم جيد”.

هل يمكن القضاء نهائيًا على التسريبات؟
السؤال الذي يطرح نفسه مع كل موسم امتحانات هو: هل يمكن القضاء نهائيًا على التسريبات والغش؟ الحقيقة أن الإجابة معقدة، لأن التطور التكنولوجي يجعل من السهل التقاط صورة لسؤال ونشره في ثوانٍ.
لكن الحل، حسب خبراء التعليم، يكمن في تنويع نماذج الامتحانات، وزيادة الاعتماد على الفهم والتحليل بدلًا من الحفظ، واستخدام أدوات رقابية حديثة مثل أجهزة تشويش على شبكات المحمول داخل اللجان، وزيادة الوعي بين الطلاب أنفسهم بخطورة الاعتماد على الغش، ليس فقط لأنه جريمة، بل لأنه خيانة للمستقبل الشخصي.
ملاحظات من الميدان تكشف الثغرات
من خلال متابعة عدد من المدارس التي ستستضيف لجان الامتحانات، تبيّن أن بعض البنية التحتية لا تزال غير مؤهلة لتطبيق الإجراءات الحديثة. هناك مدارس تفتقر إلى كاميرات المراقبة، وأخرى تعاني من ضعف الإنترنت، ما يُصعب تطبيق منظومة التصحيح الإلكتروني أو توزيع النماذج.
وطالب عدد من المعلمين وزارة التعليم بإعادة النظر في جاهزية المدارس، لا سيما في المناطق الريفية والبعيدة، لأن نجاح المنظومة مرهون بجاهزية المكان، وليس فقط بالقرارات الوزارية.
أزمة كل عام… ولكن الأمل مستمر
تظل امتحانات الثانوية العامة أزمة موسمية تتكرر كل عام، ورغم الجهود المبذولة للسيطرة على الوضع، فإن الحلول الجذرية لا تزال بعيدة المنال. لكن في الوقت نفسه، فإن وعي الطلاب والأهالي، ودور الإعلام في كشف الحقائق، والمشاركة المجتمعية، يمكن أن تصنع فرقًا حقيقيًا في السنوات القادمة.
على الجميع أن يدرك أن هذه المرحلة، رغم صعوبتها، ليست نهاية الطريق. الامتحان مهما بلغت صعوبته، يظل بوابة عبور، لا بوابة حُكم على المصير. والطالب الذي يجتهد بصدق، سيجد طريقًا للنجاح، حتى إن تعثّر في لحظة.
جريدة المنطقة العربية رؤية فريدة وتفاصيل حصرية
				
			
			
		
						
					
						
					
						
					
