كشفت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى عن ملامح خطة شاملة لتمويل المشروعات التنموية فى مصر حتى عام ٢٠٣٠، بالتنسيق مع عدد من الوكالات الأممية، من بينها برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، ومنظمة العمل الدولية، ويونيسف، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
ووفق تقرير تم تقدير تكلفة تحقيق أهداف التنمية المستدامة فى مصر بين عامى ٢٠٢١ و٢٠٣٠ بنحو ٣٩٧.٢ مليار دولار، أو ما يعادل ٨٣.٣١٪ من الناتج المحلى الإجمالى، موزعة على ١٠ سنوات.
وكشفت الوزارة عن أن معالجة فجوة التمويل للقطاعات السبعة ذات الأولوية وهى: «الحماية الاجتماعية، الصحة، التعليم، تمكين المرأة، الصرف الصحى، النقل، تغير المناخ»، تتطلب حشد أموال إضافية قدرها ٣٩.٧ مليار دولار سنويًا، من مصادر محلية عامة وخاصة، وأخرى دولية عامة وخاصة.
39 مليار دولار تمويلات دولية لتسريع تنفيذ المشروعات فى القطاعات ذات الأولوية
بالنظر إلى محدودية فرص تعبئة موارد تمويل جديدة خلال ٢٠٢٣ و٢٠٢٤، ركزت الخطة على تفعيل إطار التمويل السيادى المستدام الذى يشمل إصدار أدوات دين مبتكرة مثل السندات الخضراء والاجتماعية وسندات الاستدامة، إضافة إلى الصكوك والقروض الميسرة.
ويعد هذا التوجه جزءًا من سعى مصر لتعزيز ثقة المستثمرين الدوليين وتنويع مصادر التمويل بعيدًا عن القروض التقليدية، إلى جانب جذب استثمارات خاصة ومنح وقروض ميسرة لتمويل مشروعات خضراء كبرى، ما يسهم فى تخفيف أعباء الدين ودعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
وأشار التقرير إلى أن الإيرادات الحكومية والمنح تمثل نحو ١٦.٩٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وهى أكثر المصادر القابلة للمواءمة مع أهداف التنمية المستدامة، لتماشيها مع الأجندة الوطنية، فى المقابل، بلغ إجمالى الدين العام نحو ٩٥.٩٪ من الناتج المحلى الإجمالى، بينما سجل الائتمان المحلى ٤٢٪، ورأس مال سوق الأسهم ١٠.٥٪ فى ٢٠٢١/٢٠٢٢، أما الاستثمار الأجنبى المباشر فقد بلغ ١.٩٪ فقط، فى حين سجلت المساعدة الإنمائية الرسمية ٠.٣٨٪، والتحويلات المالية نحو ٦.٧٪.
ونظرًا لأهمية التدفقات المالية الدولية، دأبت الحكومة، من خلال وزارة التخطيط والتعاون الدولى، على استخدام تمويل المساعدة الإنمائية الرسمية كجزء من التدفقات العامة الدولية- لزيادة الاستثمارات فى القطاعات ذات الأولوية، وتمثل المساعدة الإنمائية الرسمية التى حصلت عليها الوزارة ١٦٪ من إجمالى الدين الخارجى، وفقًا لإحصاءات البنك المركزى.
وأمنت الوزارة، خلال السنوات الأربع الماضية، ما مجموعه ٢٨.٥ مليار دولار لقطاعات الدولة، و١٠.٣ مليار دولار للقطاع الخاص، ليصل الإجمالى ما يقارب ٣٩ مليار دولار، مخصصة لتسريع التقدم نحو التنمية المستدامة فى قطاعات الكهرباء والطاقة المتجددة والنقل والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والمياه والتعليم والصحة والعديد من القطاعات الأخرى.
علاوة على ذلك، تربط الوزارة بانتظام المساعدة الإنمائية الرسمية بأهداف التنمية المستدامة، مع تسليط الضوء على المساءلة والتواصل الشفاف واتخاذ القرارات القائمة على البيانات لسد فجوات التنمية فى القطاعات التى هى فى أمس الحاجة إليها.
كما أنشأت الوزارة نظام رصد وإدارة معلومات المساعدات الإنمائية الرسمية «IMS» لتعزيز دور الوزارة فى الرصد والتقييم ومتابعة المشاريع، ويهدف هذا النظام المتكامل إلى تسهيل المتابعة المنتظمة للمشاريع، بما فى ذلك البيانات المالية والفنية، كما يهدف إلى تتبع التقدم المحرز، وتحديد الممارسات الناجحة، وتحديد الاختناقات وحلها.
وتطرق التقرير إلى الخطة المقترحة لحشد التمويل، حيث تسعى مصر إلى تبنى حزمة من السياسات والآليات المبتكرة لحشد التمويل اللازم للمشروعات التنموية حتى عام ٢٠٣٠، بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، وتشمل تطوير إطار سياسات متكامل يسمح باستخدام أدوات تمويل حديثة، مع تعزيز مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى العملية التنموية.
من أبرز المقترحات تطوير صناديق الاستثمار، وإصدار سندات خضراء مع مراعاة قضايا التسعير، بجانب التوسع فى سندات تمكين المرأة وسندات الأثر الاجتماعى، وإطلاق حوافز ضريبية ومالية مدروسة لتشجيع استثمار القطاع الخاص فى المبادرات التنموية، كما تشدد الاستراتيجية على أهمية تعزيز التعاون بين القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى، بهدف تجميع الموارد وتوجيهها بكفاءة نحو القطاعات ذات الأولوية.
وتركز أيضًا على مواجهة التحديات التمويلية للشركات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، عبر وضع وتنفيذ استراتيجيات توفر لها فرصًا أفضل للوصول إلى التمويل، بما يضمن استمرار مساهمتها فى النمو الاقتصادى وخلق فرص العمل، وتؤكد المقترحات تعزيز بيئة سعر صرف مرنة وموثوقة، قادرة على تشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وجذب التمويلات الدولية، بما يعزز من استقرار الاقتصاد الكلى.
زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والنقل.. واستمرار دعم محدودى الدخل
تتضمن الخطة إصدار سندات لتمكين المرأة، إلى جانب السندات الرقمية. ويمكن لسندات تمكين المرأة، على غرار تجربتى إندونيسيا والفلبين، أن توفر تمويلًا مباشرًا لمشروعات تدعم المساواة بين الجنسين وريادة الأعمال النسائية. بينما السندات الرقمية يمكن أن تسهم فى توسيع قاعدة المشاركة فى الأسواق المالية، وتعزيز الابتكار الرقمى.
فى قطاع الصحة، يشهد تمويل الرعاية الصحية إصلاحات عميقة، خاصة مع وصول الإنفاق الحكومى على الصحة إلى ما يمثل ثلث إجمالى الإنفاق الصحى. بينما ما زال الإنفاق المباشر من المواطنين يتجاوز ٦٠٪. وتسعى الحكومة إلى تخفيف هذا العبء عبر زيادة مخصصات التأمين الصحى الشامل، وتشجيع الشراكات مع القطاع الخاص فى مجالات التطبيب عن بعد وإدارة المستشفيات والسياحة العلاجية، فضلًا عن استخدام أدوات التمويل المبتكرة مثل سندات لدعم بناء وتجديد المنشآت الطبية، وتحسين إتاحة الدواء الذى يمثل ما بين ٢٦ و٣٧٪ من إجمالى الإنفاق الصحى.
وحسب خطة قطاع التعليم ٢٠٢٣–٢٠٢٧، تستمر الموازنة الدستورية للتعليم عند مستوى ٤٪ من الناتج المحلى الإجمالى، مع تخصيص ٢.٦٪ فعليًا، بعد استبعاد خدمة الدين. وتركز الخطة على توسيع إتاحة التعليم الجيد خاصة للفئات المحرومة، وتعزيز تدريب المعلمين، وتبنى أدوات تمويل جديدة مثل سندات الأثر التعليمى وصناديق تكنولوجيا التعليم، بجانب مبادرات «حياة كريمة». كما سيتم تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص فى بناء المدارس ودور الحضانة ومراكز التدريب المهنى، إلى جانب برامج منح دراسية وقروض تعليمية صغيرة لدعم الطلاب.
وفى قطاع النقل، تتبنى الحكومة حزمة قوانين تهدف لتطوير قطاع النقل، من بينها قانون السكك الحديدية، وقانون الطاقة المتجددة للنقل، مع التركيز على تمويل المشروعات من خلال الشراكات مع القطاع الخاص، والسندات الخضراء، ورسوم المرور والمستخدمين. وتشمل الخطط إدخال المركبات الكهربائية وتوسيع شبكات النقل العام، مع استغلال الأصول القائمة عبر البيع أو التأجير لإعادة تمويل مشروعات جديدة.
وتسعى الدولة لتوسيع نطاق الشراكات فى قطاع الصرف الصحى، مع التركيز على تحسين الوصول إلى مياه الشرب الآمنة، وتطوير مرافق المعالجة وإعادة التدوير. ويجرى حاليًا تنفيذ مشروع شراكة لتطوير محطة معالجة غرب الإسكندرية بقيمة ١٩٩ مليون دولار، بطاقة تصل إلى ٦٠٠ ألف متر مكعب يوميًا بنهاية العام الحالى ٢٠٢٥. وتُستخدم أموال السندات السيادية للعمل المناخى فى دعم هذه المشروعات، مع التوسع فى الابتكار والتكنولوجيا منخفضة التكلفة لتحسين خدمات الصرف.
وتواصل الدولة توسيع مظلة الحماية الاجتماعية عبر قانون التأمينات الاجتماعية الجديد الذى يشمل العمالة غير الرسمية، وبرنامج «تكافل وكرامة» الذى يغطى الأسر الفقيرة، بالتزامن مع إطلاق مبادرات مثل «بر أمان» لدعم الصيادين، وزيادات دورية فى الحد الأدنى للأجور والمعاشات، وذلك استجابة لتوجيهات القيادة السياسية بضرورة تعزيز العدالة الاجتماعية والحد من الفقر، مع دراسة الأثر المالى والاجتماعى لهذه البرامج لضمان كفاءتها.
جريدة المنطقة العربية رؤية فريدة وتفاصيل حصرية
