بعد 54 عامًا، دخلت قوات الجيش الإسرائيلي منطقة “جبل الشيخ”، وهي المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، في الجولان السوري المحتل، وسيطرت على المواقع الاستيطانية التي تركها الجيش السوري دون أي مقاومة تذكر، لتدخل قوات الاحتلال بريًا دون الحاجة لإطلاق طلقة واحدة.
عودة للوراء، في الوقت الذي كانت سوريا تشهد فيه حربًا أهلية طاحنة بدأت عام 2011، لم يكن أحد يتوقع أن تكون إسرائيل جاهزة بالفعل لتوجيه ضربة مدمرة للجيش الوطني السوري منذ ذلك التوقيت، لكنها كانت تنتظر اللحظة التي ينهار فيه النظام السوري أمام هجوم جماعات المعارضة.
عملية “سهم باشان” التي تنفذها إسرائيل على مدار الأربعة أيام الماضية ضد الجيش السوري، ليست مجرد تصعيد عسكري وليد اللحظة، بل خطوة مدروسة تستند إلى خطط قد أعدت مسبقًا منذ أكثر من عقد، وأصبحت جاهزة تماما، وتحديدا عام 2011.
ويركز الهجوم الإسرائيلى، ضمن سلسلة من الهجمات العسكرية المدروسة، على تقويض قدرات الجيش الوطني السوري على مختلف الأصعدة، خاصة في ظل التغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة.
خطة “سهم باشان”
تعد عملية “سهم باشان” واحدة من أضخم العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي، لاسيما في سوريا، تلك الخطة كانت قد أصبحت جاهزة منذ عام 2011، أي منذ بداية الحرب الأهلية السورية، في خطوة مسبقة للتعامل مع تدهور الأوضاع داخل سوريا في ظل الاقتتال الذي شهدته على مدار الـ 13 عاما الماضية.
وبحسب ما كشفته صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، فالهدف الأساسي لإسرائيل من خطة “سهم باشان” كان تقويض قدرات الجيش السوري الاستراتيجية وتدمير أهم منصاته العسكرية، سواء كانت جوية أو بحرية أو أرضية.
ومنذ بداية العام الجاري، كانت إسرائيل، التي تراقب الوضع عن كثب، قد نشرت قواتها في الجولان السوري المحتل، قرب المنطقة العازلة بين الجانبين السوري والإسرائيلي.
وفي نفس الوقت، كان الجيش الإسرائيلي يعمل على جمع معلومات استخباراتية بشكل مكثف حول تحركات الأسلحة السورية وجماعات المعارضة، وعندما بدأت الأخيرة في تعزيز وجودها و السيطرة على العاصمة “دمشق” وإنهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وانسحاب قوات الجيش السوري من كافة مناطق جمهوريته، أصبحت الأوضاع متاحة لإسرائيل من أجل تنفيذ عمليتها.
ووافق المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل “الكابينت”، في اجتماعه السبت الماضي، على تنفيذ العملية “سهم باشان” والتي تتضمن تحقيق السيطرة على المنطقة العازلة في هضبة الجولان، وتوجيه ضربات شديدة لسلاح الجو السوري وقدرات استراتيجية أخرى، وكذلك تنفيذ هجوم ساحق بواسطة سلاح البحرية الإسرائيلي ضد البحرية السورية.
وفي اجتماع الكابينت، الذي تم وصفه بـ”الدراماتيكي”، تضمن طرح الخطة فكرة تجريد الجيش السوري من قدراته، وهو ما وافق عليه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزراء المجلس الأمني المصغر.
في الوقت نفسه، يستمر الجيش الإسرائيلي في العمل ضد وسائل القتال الاستراتيجية لدى الجيش السوري وتدمير قدرات الأخير، خاصة صواريخ “أرض-جو”، و”أرض-أرض”، والطائرات المروحية والمقاتلات، وكذلك السفن.
الجيش الإسرائيلي داخل سوريا
تعمل أربعة فرق قتال عسكرية إسرائيلية تحت قيادة الفرقة 210، في مهام هجومية في الجولان وفي جبل الشيخ السوريين.
وتمكنت تلك القوات الإسرائيلية من مصادرة أسلحة ودبابات تم نقلها إلى إسرائيل، بالاضافة إلى صواريخ مضادة للدبابات، وألغامًا وعبوات ناسفة.
واعلن المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي، الأربعاء الماضي، أن الأربعة فرق القتالية الإسرائيلية تتضمن قوات مشاة، وكوماندوز، وهندسة، ومدرعات، ووحدة تفكيك المتفجرات “ياهالوم”، وقوات مراقبة، والتي تعمل في مهمة الدفاع الأمامية بقيادة الفرقة 210.
وتواصل قوات فريق القتال 474 في الجيش الإسرائيلي العمل في نقاط استراتيجية في المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، بعد أن اعادت الأخيرة احتلالها.
وبحسب الجيش الإسرائيلي، تعمل القوات ضد التهديدات على خط الحدود، وخلال عمليات المسح، عثرت القوات، وصادرت، عددًا من الدبابات السورية غير المستخدمة.
في السياق ذاته، نفذت قوات لواء “الجبال – ههاريم (810)” ومقاتلو وحدة “شيلداغ” لدى الجيش الإسرائيلي، عملية عسكرية في جبل الشيخ السوري الواقع ضمن المنطقة العازلة.
وخلالها عثرت القوات الإسرائيلية على موقع عسكري سوري وصادروا ألغامًا، عبوات ناسفة، صواريخ مضادة للدبابات ومعدات عسكرية إضافية.
وتعمل قوات فريق القتال المظليين الإسرائيلية على إزالة التهديدات في المنطقة العازلة، بينما تقوم قوات فريق القتال اللوائي الكوماندوز بعمليات مركزة باستخدام وسائل خاصة.
الهجمات الإسرائيلية في سوريا
بدأت الهجمات الإسرائيلية ضد الجيش السوري تتركز على تدمير الدفاعات الجوية السورية منذ أواخر عام 2023.
وفي بداية عام 2024، قالت بعض المصادر إن إسرائيل تخلت عن قواعد اللعبة، وإن قواتها الآن تتصرف بلا مبالاة، وأصبحت غاراتها تقصف كل مكان داخل سوريا بشكل مباشر، حسبما نشرت وكالة رويترز البريطانية في يناير الماضي.
وخلال اليومين الماضيين، شن الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 غارة على كل أنحاء سوريا، وكان الهدف الرئيس لهذه الهجمات هو تدمير قدرات الجيش السوري الجوية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة من طراز “ميغ” و”سوخوي”، التي كانت تشكل أحد أوجه القوة العسكرية السورية.
وفي إطار عملية “سهم الباشان”، نغذت 359 طائرة مقاتلة إسرائيلية ذخائر وأسلحة تابعة للجيش السوري، بحسب صحيفة “معاريف” الإسرائيلية.
وهو ما أكده الجيش الإسرائيلي، موضحا أن التقديرات لديه تشير إلى أن بين 70-80% من القدرات الاستراتيجية للجيش السوري قد تم إضعافها، بل و تدميرها بالفعل.
وفي إطار العملية، نفذت إسرائيل سلسلة من الهجمات باستخدام الطائرات المقاتلة، حيث دمرت عددًا من القواعد الجوية السورية بما في ذلك أسراب كاملة من الطائرات المقاتلة التي كان يمتلكها الجيش السوري.
وهذه المرة كانت الهجمات الإسرائيلية شاملة بشكل غير مسبوق، حيث كانت تستهدف منظومات الدفاع الجوي المتقدمة في سوريا، مثل بطاريات الصواريخ أرض-جو التي كانت قد أُعيد تحديثها من قبل روسيا.
وتم استهداف 320 هدفًا استراتيجيًا للجيش السوري، بحوالي 480 غارة جوية، وبحسب تقارير عسكرية إسرائيلية، فقد شملت الهجمات: طائرات، صواريخ بحرية، صواريخ قصيرة المدى، صواريخ أرض-أرض، طائرات ميج 29، طائرات مقاتلة، مواقع إنتاج أسلحة وذخائر، مخازن، صواريخ سكود، صواريخ كروز، رادارات، ودبابات متطورة، وأسلحة متقدمة، وبعض من الأسلحة الكيميائية التي كانت لا تزال موجودة في سوريا.
تدمير سلاح الجو السوري
واحد من أبرز أهداف عملية “سهم باشان” هو تدمير سلاح الجو السوري، وكانت طائرات “ميغ” و”سوخوي” التي كانت في حوزة الجيش السوري من أبرز الأهداف التي تعرضت للدمار، خاصة أن هذه الطائرات كانت تشكل العمود الفقري للقوة الجوية السورية، وتدميرها يعني شل قدرة سلاح الجو السوري على تنفيذ أي هجوم مضاد.
ونفذ الجيش الإسرائيلي حوالي 300 غارة بالطائرات والطائرات المقاتلة في أقل من 48 ساعة فقط، كان من بين أهدافها أسراب كاملة من طائرات ميغ وسوخوي التي تم تدميرها.
وتشير التقديرات إلى أن الغارات الإسرائيليية استهدفت انظمة الرادار التابعة للجيش السوري، ومنها موقعين للرادار على مشارف مدينة اللاذقية على البحر المتوسط، حيث تتواجد القوات الروسية، كما استهدفت الضربات الإسرائيلية مواقع أثرية.
في ذلك السياق، قال مسؤول أمني إسرائيلي لإذاعة راديو الجيش الإسرائيلي، إن هذه واحدة من أكبر العمليات الهجومية في تاريخ سلاح الجو لدى تل أبيب.
من جانبها، أكدت مصادر أمنية في سوريا لوكالة “رويترز” البريطانية، أن إسرائيل هاجمت عدة قواعد جوية في كل أنحاء سوريا، ودمرت البنية التحتية وعشرات المروحيات والطائرات، وشملت الهجمات أهدافاً في العمق مرتبطة بإنتاج الأسلحة الكيميائية في منطقة “برزة”، بالإضافة إلى تدمير مطار المزة السوري العسكري، وأيضًا مطار دمشق.
بالإضافة إلى ذلك، دمر الجيش الإسرائيلي مواقع الدفاع الجوي السوري بشكل منهجي، حيث تم القضاء على العديد من بطاريات الصواريخ المتقدمة، مثل صواريخ “بوك” و”بانتسير” التي كان يمكنها تهديد الطائرات الإسرائيلية.
وكانت الأهداف تشمل أيضًا مصانع الدفاع العسكرية والمراكز البحثية العلمية في منطقة حلب والمركز الوطني للبحوث العلمية في منطقة جمرايا قرب دمشق.
وأصبح سلاح الجو السوري شبه مدمر كليا، ووفق للتقديرات المختلفة، لا يمكن استبعاد أن سلاح الجو السوري سيتم تدميره بشكل عملي من قبل الجيش الإسرائيلي في غضون أيام قليلة، وربما ساعات.
تدمير البحرية السورية
أحد الأهداف الاستراتيجية الكبرى في عملية “سهم باشان” أيضا هو تدمير البحرية السورية، فقد هاجم الجيش الإسرائيلي موانئ سورية عدة، من بينها ميناء اللاذقية، الذي كان يحتوي على العديد من السفن الحربية السورية.
وقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية السفن الحربية السورية التي كانت تحمل صواريخ بحر-بحر، مما أدى إلى تدمير العديد من السفن وأسلحتها.
بالإضافة لذلك، هاجم سلاح البحرية الإسرائيلي 15 سفينة سورية، وقوارب أخرى كانت تحمل صواريخ بحر-بحر في موقعين مختلفين.