جدل واسع ثار في مصر ، إثر بدء تطبيق قرار الحكومة بتبكير موعد إغلاق المتاجر لمدة ساعة يوميا عن المواعيد الصيفية المعمول بها اعتبارا من الاثنين الماضي ، لتغلق المتاجر في العاشرة مساء والمطاعم في منتصف الليل بالتوقيت المحلي، وذلك لترشيد استهلاك الكهرباء.
وتقول الحكومة إنها تعاني شحا في الوقود، الغاز والمازوت، الذي يغذي محطات الكهرباء. وتضاربت الآراء بين من يرى إغلاق المحال التجارية إجراء ينظم عملية البيع والشراء ويوفر استهلاك الطاقة ومن يعتبره ضربة موجعة للنشاط التجاري والسياحي في آن واحد.
وتشتهر مصر، خاصة العاصمة القاهرة، باستمرار أنشطة المتاجر والمطاعم وأماكن الترفيه حتى ساعات متأخرة من الليل تصل أحيانا حتى فجر اليوم التالي، وهو ما يعتبر عامل جذب للسائحين، خاصة أولئك الآتين من منطقة الخليج الغنية بالنفط.
من ناحية أخرى، تعاني مصر هذا الصيف من حرارة استثنائية وغير مسبوقة، وصلت في بعض المناطق إلى خمسين درجة مئوية. ولذلك يفضل الكثير من الراغبين في التسوق الخروج في ساعات الليل، بعد أن تغرب الشمس في حوالي الثامنة مساء ، ويقول الكثيرون إنه إذا كانت المتاجر ستغلق في العاشرة، فإن ذلك لا يترك ذلك لهم أي مساحة للبيع والشراء، ما سيعود بالخسائر على التجار، في بلد يئن من الأعباء الاقتصادية.
كما عبر بعض التجار عن مخاوفهم من تضرر تجارتهم بسبب القرار الحكومي ، فضلا عن أنهم يشكون في الأساس من طول فترات انقطاع الكهرباء ، ويقول عدد منهم : “إذا كانت الحكومة قررت غلق المتاجر في العاشرة مساء، عليها أن تخفف من حدة انقطاع الكهرباء لأن الزبائن لن يرتادوا متجرا مظلما، وعادة ما ينزلون للتسوق بعد انكسار موجة الحر في المساء».
من جانبه يستبعد الخبير الاقتصادي علاء عبدالحليم الالتزام التام بقرارات الإغلاق الجديدة ، ويقول إن القرار “جيد من الناحية النظرية حيث سيوفر استهلاك الكهرباء ، لكنه سيأتي بآثار سلبية على الاقتصاد” لأن المتاجر قد تفقد ما يتراوح بين 30 إلى 40 في المائة من دخلها، على حد وصفه.
ويضيف عبد الحليم أن الكثير من السائحين يأتون إلى القاهرة “باعتبارها المدينة التي لا تنام».
ويشير إلي أنه عادة ما تتخذ تلك القرارات بعد دراسة وافية توضح حجم المزايا في مقابل العيوب ، مبينا أنه من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة أجرت الدراسات الكافية للوصول إلى مثل هذا القرار “ ويشير إلى وجود الكثير من الاختلافات الثقافية ما بين نمط الحياة في مصر وأوروبا، على سبيل المثال، التي تغلق فيها المتاجر أبوابها في السادسة أو السابعة مساء.
ويقول إن عدد سكان القاهرة الكبرى “يزيد على خمسة وعشرين مليون نسمة، فضلا عن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة نهارا ، ولذلك يلجأ الكثير من القاهريين للخروج ليلا هربا من الزحام، ومن لهيب الشمس ، فتغيير نمط الحياة وعادات الناس في المدينة يحتاج لفترة طويلة للغاية».
ويستبعد الخبير الاقتصادي أن تتمكن السلطات من السيطرة الكاملة على أزمة الطاقة خلال الوقت الحالي ، ويقول “لا نعرف إذا كانت المشكلة تكمن في معدلات الاستهلاك أم مخزون الوقود أم نقص العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد.. يجب مصارحة الناس بالحقائق.” وأشار إلى توقف العديد من أبرز مصانع الأسمدة، مؤقتا، عن العمل الأسبوع الماضي، بسبب نقص الغاز الطبيعي قبل أن تعود الحكومة لتوفيره.
ونقلت صحف ومواقع محلية عن غرفة المنشآت والمطاعم السياحية تأكيدها أن قرار الحكومة بشأن مواعيد إغلاق المتاجر والمطاعم “لا ينطبق على المنشآت السياحية، لأنها ذات طبيعة خاصة إذ تتعامل مع السائحين الأجانب، بالإضافة إلى مردودها الاقتصادي الكبير.»
أما متى بشاي رئيس لجنة التجارة بالاتحاد العام للغرف التجارية فيقول إن البلاد تمر “بأزمة شديدة ويجب أن نتأقلم مع الوضع الحالي ونرشد الكهرباء ونساند الدولة حتى تعود الأمور لصورتها الطبيعية.»
ويشير إلي أنه خلال يومي الخميس الجمعة ستغلق المتاجر في الحادية عشر مساء بدلا من العاشرة “وهي فترة كافية للبيع والشراء” وفق ما يراه بشاي.
ويوضح بشاي، الذي يعمل بالتجارة، أن تطبيق هذا القرار لايزال في مرحلة تجريبية “ويجب أن ننتظر حتى نرى محاسنه وعيوبه” ، ويؤكد أن التجار إذا تضرروا جراء هذا القرار “سنرفع تقاريرنا إلى المسؤولين ونطالب بوضع خطة بديلة، لكننا في مرحلة انتقالية الآن.»
استثناءات ومشكلات
ويستثنى من إجراءات الإغلاق الأخيرة، أيضا، الصيدليات والمخابز ومتاجر الفاكهة والخضروات والبقالة ، وتأتي الخطوة الجديدة كإجراء إضافي تتخذه السلطات بعد أن لجأت لما سمته بتخفيف الأحمال، منذ الصيف الماضي، حيث عمدت إلى قطع الكهرباء عن المنازل ما بين ساعة إلى ساعتين يوميا، على مدار العام الماضي.
لكن هذه الانقطاعات زادت في الأيام الأخيرة حتى وصلت إلى ثلاث ساعات يوميا ، وكان الرابع والعشرين من يونيو الماضي هو الأسوأ على الإطلاق، إذ وصلت الانقطاعات في بعض المحافظات إلى ست أو سبع ساعات يوميا ، وانهالت على مواقع التواصل الاجتماعي حينها المنشورات الغاضبة من مواطنين وقعوا في أزمات شديدة، بسبب امتداد فترة قطع الكهرباء، من دون سابق إنذار.
وفقد شخصان على الأقل حياتهما بسبب تعطل المصاعد نتيجة لانقطاع الكهرباء في الأسابيع الأخيرة. كما انهمرت المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحمل روايات لأناس حبسوا داخل المصاعد لأكثر من ثلاث ساعات، وحكايات أخرى عن معاناة كبار السن والأطفال مع الحرارة الشديدة التي تجاوزت أربعين درجة في ظل غياب أي أجهزة تهوية.
واعتذر رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي للشعب المصري في اليوم التالي، موضحا أن تلك الانقطاعات ترجع لتعطل الإنتاج لمدة 12 ساعة في أحد حقول الغاز في “دولة مجاورة”، لم يكشف عن اسمها، تورد لمصر الغاز.
وأكد مدبولي أن حكومته ستعيد “فترة تخفيف الأحمال” إلى ساعتين يوميا اعتبارا من يوليو الجاري، على أن تنتهي الأزمة نهائية في الأسبوع الثالث من هذا الشهر، بعد أن تستكمل مصر استيراد كميات من الغاز والمازوت بأكثر من مليار دولار ، لكن البعض يتشكك في إمكانية الالتزام بهذا الجدول.
وأوضح رئيس الوزراء أن البلاد كان لديها فائض من الغاز في الشتاء تستطيع تصديره، لكن الوضع يتغير في فصل الصيف “حيث زادت معدلات الاستهلاك خلال الثلاث أو الأربع سنوات الماضية، فتوقفنا عن تصدير الغاز في الصيف وبتنا نستورد كمية لا بأس بها من دول الجوار لتغطية الاستهلاك المحلي».
واتفقت مصر بالفعل على شراء 17 شحنة من الغاز الطبيعي المسال خلال هذا الصيف للإسهام في حل أزمة الكهرباء. ، كما أرجأت الحكومة قرار رفع سعر فاتورة الكهرباء إلى سبتمبر المقبل، بدلا من يوليو الجاري، في وقت تتزايد فيه شكاوى المواطنين من معاناتهم مع الانقطاع المتكرر للتير الكهربائي.
وفي عام 2015، كشف المسؤولون المصريون عن اكتشاف “حقل ظهر” الذي وصفوه بأنه أكبر حقل غاز مصري تم اكتشافه في منطقة شرق البحر المتوسط.
وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل عامين، إنه لولا حقل ظهر “لانطفأت كل أنوار مصر لأن الدولة لا تملك المال اللازم لاستيراد الغاز لتشغيل محطات الكهرباء».
ونقل موقع رئاسة الجمهورية عن وزير البترول السابق طارق الملا قوله وقتها إن احتياطيات حقل ظهر تقدر بثلاثين تريليون قدم مكعب من الغاز موضحا أنه سيسهم في سد احتياجات السوق المحلية والتوجه نحو التصدير.
وتزامنت زيادة مدة انقطاعات الكهرباء مع موسم امتحانات الشهادة الثانوية ما فاقم من معاناة الطلاب وأولياء الأمور معا، إذ لجأ بعض طلاب المدارس للجلوس على المقاهي لاستذكار دروسهم بسبب انقطاع الكهرباء في منازلهم.
وفي مساهمة مجتمعية للتخفيف من حجم الأزمة، قرر عدد من الكنائس والمساجد وقاعات المناسبات وكذلك مكتبة الإسكندرية فتح أبوابها للطلاب كي يستطيعوا تحصيل دروسهم بعيد عن أنوار الشموع وكشافات الهواتف المحمولة.
من جانبها أكدت وزارة التنمية المحلية، استثناء محال البقالة والسوبر ماركت والمخازن والأفران، مع مراعاة الأنشطة الليلية لبعض المحال مثل محال بيع الفواكه والخضراوات ومحلات الدواجن وأسواق الجملة والصيدليات مراعاة للخدمات الهامة التى تقدم للمواطنين.
يذكر أن المحلات والمولات التجارية كانت تغلق الساعة الـ 11 مساءً في الصيف، قبل قرار الحكومة الجديد وفي يومي الخميس والجمعة والإجازات الرسمية يتم زيادة التوقيت لتغلق الساعة الـ 12 منتصف الليل، طبقا لقرار اللجنة العليا لترخيص المحلات العامة.
حقيقة الغاء التوقيت الصيفي
من ناحية أخري ، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي شائعات بشأن صدور قرار بإلغاء التوقيت الصيفي تزامناً مع تطبيق موعد غلق المحال التجارية الجديد، ورد المركز الإعلامي لمجلس الوزراء علي ذلك ، مؤكداً أنه لا صحة لإلغاء التوقيت الصيفي تزامناً مع تطبيق موعد غلق المحال التجارية الجديد، وأنه لم يتم إصدار أية قرارات بهذا الشأن.
وأوضح أن التوقيت الصيفي والشتوي لهما قانون ولا يحددهما قرار، وبالتالي يستمر سريان تطبيق التوقيت الصيفي دون إلغاء، وذلك وفقاً للقانون رقم 24 لسنة 2023، والذي ينص على أنه “اعتبارًا من الجمعة الأخيرة من شهر أبريل حتى نهاية يوم الخميس الأخير من شهر أكتوبر من كل عام ميلادي، تكون الساعة القانونية في جمهورية مصر العربية هي الساعة بحسب التوقيت المتبع مقدمة بمقدار ستين دقيقة”، مهيباً بالمواطنين عدم الانسياق وراء مثل تلك الأخبار المغلوطة، مع استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية.